فصل: ما قيل في النقط والشكل والخط الدقيق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أدب الكتاب ***


ما قيل في قبح الخط

قال الصولي أنشدني أحمد بن محمد بن إسحاق، قال‏:‏ أنشدني علي بن محمد العلوي لنفسه‏:‏

أشكو إلى الله خطاً لا يبلغني *** خط البليغ ولا خط المرجينا

إذا هممت بأمر لي أزخرفه *** سدت سماجته عني التحاسينا

وقالوا‏:‏ ‏"‏رداءة الخط زمانة الأديب‏"‏‏.‏ ونظر عبد الله بن طاهر إلى خط بعض كتابه فلم يرضه، فقال‏:‏ ‏"‏نحوا هذا عن مرتبة الديوان فإنه عليل الخط، ولا يؤمن أن يعدي غيره‏"‏‏.‏ وقالوا‏:‏ ‏"‏رداءة الخط إحدى الزمانتين، كما أن حسنه إحدى البلاغتين‏"‏‏.‏

حدثني طلحة بن عبد الله، قال‏:‏ اعتذر رجل إلى محمد بن عبد الله بن طاهر من شيء بلغه عنه، فرأى خطه قبيحاً فوقع في رقعته‏:‏ ‏"‏أردنا قبول عذرك، فاقتطعنا عنه ما قابلنا من قبح خطك‏.‏ ولو كنت صادقاً في اعتذارك لساعدتك حركة يدك‏.‏ أو ما علمت أن حسن الخط يناضل عن صاحبه بوضوح الحجة‏.‏ ويمكن له درك البغية‏"‏‏.‏

وكان أبو هفان عبد الله بن أحمد المهزمي من أقبح الناس خطاً، وكان يبتدئ الخط من رأس الورقة ويعوج سطوره حتى يبقى آخر سطر في الورقة كلمة واحدة فرثاه يحيى بن علي فقال في مرثيه‏:‏

مع خط كأنه أرجل البط *** أو الحط في ذوي الفتيان

أنشدني العنزي الحسن بن علي في قبح الخط، وكان والله قبيح الخط والوجه، حسن العلم والعقل‏:‏

جزعت من قبح خطي *** وفيه وضعي وحطي

رجعت من بعد حذقي *** إلى تعلم حطي

‏؟‏الوصاة بإصلاح الخط وآلته‏:‏ قال بعض الرؤساء من الكتاب‏:‏ ‏"‏ارخوا ذوائب خطوطكم‏"‏، يريد بذلك الحروف المخطوطة، كالياء والنون والعين والحاء المنفصلات وما أشبههن‏.‏

قال الصولي‏:‏ حدثني أبو الحسين محمد بن أحمد النيسابوري، قال‏:‏ سمعت الحسين بن يحيى بن نصر الجرجاني يقول‏:‏ قال إبراهيم بن العباس الصولي لغلام كان يكتب بين يديه‏:‏ ‏"‏ليكن قلمك صلباً بين الدقة والغلظ، ولا تبره عند عقدة، ولا تجعلن في أنبوبه أنبوبة، ولا تكتبن بقلم ملتو، ولا ذي شق غير مستو، واختر من الأقلام ما يضرب إلى السمرة‏.‏ وأحد سكينك، ولا تستعملها لغير قلمك‏.‏ وتعهده بالإصلاح يصلح‏.‏ وليكن مقطك صلباً ليمضي الخط مستوياً لا مستطيلاً، وابر قلمك بين التحريف والاستواء‏.‏ وإذا كتبت الدقيق فأمل قلمك إلى إقامة الحروف لإشباع الخط، وإذا جللت فإلى التحريف‏.‏ واعلم أن تبطين القلم شؤم، وتحريفه حرف، وهما دمار الخط‏.‏ واعلم أن وزن الخط مثل وزن القراءة، فأجود الخط أبينه، كما أن أحمد القراءة أبينها‏"‏‏.‏

وقال بعض الكتاب‏:‏ ‏"‏الحذق بالخط أن يقدر الكاتب بقلمه أجزاء حروفه وكلمه، وخاصة في طول الحرف لا في عرضه، ويفرق بين الحرف والحرف على قياس ما مضى من شرطه في قرب مساحته وبعد سياقته‏.‏ ولا يقطع الكلمة بحرف يفرده في غير سطره‏.‏ ويسوي إصلاح خطوطه كتابته ولا يغيره فيحليه بما ليس من زينته، ولا يمنعه حقاً فيخلف حليته، ويفسد قسمته‏.‏

ويستقبح أن يقع في الخط نوعان مختلفان، ويقوم في النفس من ذلك ما يقوم فيها من الشعر إذا اختلفت أعاريضه، وخلط فصيحه بمولده‏.‏ وأحلى الخطوط المحقق اللطيف، المستدير الحروف، المفتوح الصادات والطاآت، المختلس التاآت والحاآت‏.‏ ولا يحسن أن يجمع في الحرف مشقتان، ولا بين يائين معروقتين‏"‏‏.‏ قال الصولي‏:‏ والمشتق مكروه، وخاصة في الكتاب إلى الرئيس، لأنهم يتأولون ذلك ضرباً من الاستخفاف بقدر المكاتب‏.‏ كذلك قال إبراهيم بن العباس الصولي، وهو إمام من أئمة الكتاب يقتدى به فيها‏:‏ وربما طغى القلم فوصل منفصلاً، وفصل متصلاً‏.‏

وقد يمشق الكاتب في حالين متضادين في أشد ما يكون نشاطاً، لشوق يده إلى الخط، وبعد عهدها به، وتفلتها إليه، فتنازعه يده إلى ذلك، وتغلبه إلى الإسراع، فتجري على غلوائها، وتمضي على درتها، ولا تتمهل لرفع حرف ولا خفض آخر‏.‏

وتستروح أيضاً في حال التعب والكلال إلى المشتق، لما يلحق الأنامل من مشقة التعطف والتلوي على القلم، بتقريب بعض الحروف من بعض، وعطف شيء على شيء‏.‏ فإذا كانت الكلمة على أربعة أحرف جعلت المشقة واسطة بين حرفين أولين وحرفين آخرين، مثل مقيد ومخلب، وعنها وفيها‏.‏ فإن كانت ثلاثة أحرف أوسطها ميم، كانت المشقة بين الميم والحرف‏.‏ ولا يجوز أن يمشق بين حرفين أحدهما ميم‏.‏

وإذا اتصلت باء وتاء ونون في كلمة، فكان على عدد أشكال السين والشين رفعت الوسطى، مثل بينك وبيتك‏.‏ ولو لم تفعل ذلك، وسويت بين الثلاث، لجاءت الكلمة كأنها شك أو سك، ويحتمل الإثنين السين والشين‏.‏ وأن يمشقا ولا يحققا في كل المواضع؛ إلا في‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم، لمعان أولها التعظيم لاسم الله تبارك وتعالى، والثاني ليتبين تحقيقك لذلك وتحسينك له، ولأن بسم الله الرحمن الرحيم أول ما يبتدئ الكاتب به وهو وافر النشاط، غير حسير اليد، ولا جافي القلم؛ فليس له عذر في ترك التحقيق حينئذ ولا له حاجة إلى التروح‏.‏

وكذلك يكره مشقهما منفصلتين، مثل الناس والباس، لا يكون معهما في هذه القسمة حرف يعضدهما‏.‏

وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال‏:‏ ‏"‏شر الكتابة المشق، وشر القراءة الهذرمة‏"‏‏.‏ وأكثر سروات الكتاب يكرهون شق الكاف، وقد شقها بعضهم إذا كانت أول الحرف ومبتدأ السطر، ويستقبح شقها إذا كانت في آخر الكلمة منفصل أو متصلة، وذلك في مثل مالك وتارك‏.‏

ويستقبح أن ينقطع دعاء فيقع أوله في آخر السطر وبعضه في أول السطر الآخر، وكذلك الكنية والمضاف وغير ذلك، وما عمل بعضه في بعض، وما جعل اسماً واحداً وهو اثنان في الأصل، وذلك مثل أعزه الله في الدعاء، وعبد الله في الأسماء، وغلام زيد في الإضافة، وتأبط شراً في العامل بعضه في بعض، وخمسة عشر فيما جعل الإسمان اسماً واحداً، ومعدي كرب وحضرموت وأيادي سبأ ويد الدهر ويد المسند وهو الدهر أيضاً، وشذر مذر وقالي قلا، ومثل هذا كثير، وما ذكرناه منه يدل على سائره‏.‏

ما قيل في النقط والشكل والخط الدقيق

كره الكتاب الشكل والإعجام، إلا في المواضع الملتبسة من كتب العظماء إلى دونهم، فإذا كانت الكتب ممن دونهم إليهم ترك ذلك في الملبس وغيرهم، إجلالاً لهم عن أن يتوهم عنهم الشك وسوء الفهم، وتنزيهاً لعلومهم وعلو معرفتهم عن تقييد الحروف، ولولا أن الذي جددناه من ذلك في كتاب الرئيس إلى تابعه يجري مجرى الزيادة في الإيضاح له، ونفي الارتياب عنه، وإيجاب الحجة عليه فيما يؤمر به وينهى عنه، لكان الأحسن أن لا يستعمل في الحالتين معاً‏.‏

وقد رأى قوم أن تكون كتبهم إلى سلطانهم بأكبر الخطوط وأجلها، واختاروا الشكل والإعجام فيها‏.‏

وحكوا عن بعض الخلفاء، أنه تأذى من إخلاء الكتب من ذلك في المؤامرات وغيرها‏.‏ وقال الذين اختاروا ذلك لا نعرضهم للشكوك، ولا نكلفهم إعمال الفكر في المشكل، وأنه يجب أن نوضح لهم الشكوك ونضبط الحروف، بما يسبق معه المعاني إلى قلوبهم في أول وهلة‏.‏

ونسبوا الأصل في هذا إلى المأمون، وهذا ما لا يجمع المميزون عليه، ولا يلتفتون إلى ما يتأول فيه، لأن الأمر لو كان على ما يختاره من يشكل وينقط، لما وقع من الكتاب تصحيف، في كثير مما قرأوه في مجالس الخلفاء، حتى أحصيت عليهم غلطات سقطوا بها في عصرهم، وبقي عارها عليهم، كالذي صحف من ‏"‏حامرطي‏"‏ جاضرطي، والذي صحف بين يدي المأمون ‏"‏البريدي‏"‏ فقال الثريدي، فأمر المأمون أن يطعم، وقال‏:‏ أبو العباس جائع - يعني وزيره ابن أبي خالد - فغذوه‏.‏ ثم قرأ فلان الحمصي فقال‏:‏ الخبيصي، فقال المأمون‏:‏ ما في طعام أبي العباس خبيص فأطعموه‏.‏

وقرأ كاتب عبيد الله بن زياد كتاب عبيد الله بن أبي بكرة أنه وجد بعض الخوارج في شرب فقال عبيد الله‏:‏ وكيف لي بأن أكون ممن يشرب هو ونظراؤه إنما هو في سرب أي سرداب‏.‏ وكتب رجل من أغبياء الكتاب إلى صاعد بن مخلد كتاباً فصير العين غيناً ونقطعها من فوق ونقط الخاء من مخلد من أسفل فصيرها جيماً‏.‏ فقرأ كتابه صاعد بن مخلد فلم يفطن لذلك، ووقع فيه فخرج إلى الديوان فرآه الناس فقال فيه بعض الشعراء‏:‏

رأيت الوزير كثير الشكوك *** بعيد الإفاقة من غفلته

فما عرف الجد من والد *** ولا اسم ابنه الفذ من كنيته

رأيت الكتابة قد عطلت *** ورسم البلاغة في دولته

وأغفل كاتب سليمان بن عبد الملك الإعجام في كتاب كتبه إلى عامله بالمدينة يأمره بإحصاء المخنثين فقال له‏:‏ احص من قبلك من المخنثين‏.‏ فقرأه اخض، فخصى منهم جماعة حتى خصى الدلال، فقال‏:‏ الآن والله أشبهنا النساء، هذا والله الختان الأكبر‏.‏

وأخرج كتاب عبيد الله بن سليمان على عامل مالاً، فتظلم منهم، فوقع عبيد الله ‏"‏هذا هذا‏"‏ فقدر الرافع لبعد ذهنه أنه وقع هذا هذا أي حجة ثابتة كما تقول‏:‏ أنت أنت، وأنا أنا، فأخرج التوقيع إليهم فقال‏:‏ قد قبل حجتي، فلم يعرفوا ذلك، وجاءوا بالتوقيع إلى صاحب الديوان، فرده إلى عبيد الله بن سليمان واستأمره فيه، فما زاد عبيد الله على أنه شدد الذال، ووقع تحته‏:‏ الله المستعان، كأنه نسب صاحب التوقيع إلى الهذيان‏.‏ ومثل هذا كثير جداً وإنما جئنا بطرف منه‏.‏

حدثني يعقوب بن بيان قال‏:‏ حدثني علي بن الحسين قال‏:‏ لما أخرج بغا إلى منبج وقلدها، كان معه كاتب فقراً عليه يوماً كتاب عامل بسمساط وأن فلاناً سقط عن برذونه، يريد عن برذونه، فقال له بغا‏:‏ وما برذونه ويحك‏؟‏ فقال‏:‏ جبل بين سمساط والروم وهو الحد بينهما، فلم يدر من أي شيء يتعجب‏!‏ من تصحيفه أم من احتجاجه بما احتج به‏.‏ وكتب بعض الكتاب إلى رجل كتاباً فدقق خطه فيه فكتب الرجل إليه‏:‏ ما كاتبتني وإنما عوذتني‏!‏ شبه كتابه بالتعويذ‏.‏ وكتبت إلى بعض إخواني كتاباً بقلم دقيق، فأنكر ذلك فكتبت إليه‏:‏

أنكر الخط إذ رآه ضئيلاً *** قال‏:‏ هلا كتبت خطاً جليلا

قلت لا تسبقن باللوم عذري *** بخل الخط إذا رآني بخيلا

وكذا الجسم إذ رأى علة الأل *** حاظ من مقلتيك صار عليلا

وقال آخر في نحوه‏:‏

يقول وقد كتبت دقيق خط *** إليه لم تجنبت الجليلا

فقلت له‏:‏ عشقت فصار خطي *** دقيقاً مثل صاحبه ضئيلا

ومن مليح ما قيل في النقط والإعجام قول عبد الله بن المعتز‏:‏

غلالة خده ورد جني *** ونون الصدغ معجمة بخال

وقال أبو نواس يصف صغر أثافي قدر الرقاشي‏:‏

رأيت قدور الناس سوداً من الصلى *** وقدر الرقاشيين بيضاء كالبدر

يبينها للمعتفي بفنائها *** ثلاث كنقط الثاء من قلم الحبر

وما رأيت النقط والإعجام وقعاً أصح من مكان أوقعهما عصابة الجرجاني يهجو الحسن بن رجاء فإنه قال‏:‏

خوان الأمير معمى المكان *** له شبح ليس بالمستبان

يرى بالتوهم لا بالمجس *** وبالخبر الفذ لا بالعيان

دعا بالخوان على لؤمه *** لكيما يقال دعا بالخوان

فأما غضائره الواردات *** فأسماه ليست لها من معان

ونقط منها عراق عراق *** كم تعجم الصحف بالزعفران

وتقول‏:‏ قرمطت الخط أقرمطه قرمطة إذا قاربت بين حروفه‏.‏ وحكى التنوخي‏:‏ قرمط خطوه إذا قارب بينه‏.‏

ومن مليح ما قيل في النقط والشكل قول أبي نواس‏:‏

يا كاتباً كتب الغداة يسبني *** من ذا يطيق براعة الكتاب

لم ترض بالإعجام حين كتبته *** حتى شكلت عليه بالإعراب

أخشيت سوء الفهم حين فعلته *** أم لم تثق بي في قرأة كتاب

لو كنت قطعت الحروف فهمتها *** من غير وصلكهن بالأنساب

وأردت إفهامي فقد أفهمتني *** وصدقت فيما قلت غير محاب

وقال التنوخي‏:‏ يقال‏:‏ ‏"‏كتاب نزل الخط‏"‏ إذا كانت الكتابة كثيرة فيه‏.‏ ويقال‏:‏ ‏"‏رجل ذو نزل‏"‏ حبر كثير‏.‏ ‏"‏‏"‏وطعام له نزل‏"‏ أي ريع كثير‏.‏ والعامة تقول‏:‏ نزل وذلك خطأ قال لبيد‏:‏

ولن تعدموا في الحرب ليثاً مجربا *** وذا نزل عند العطية نازلا

ذا نزل ذا عطاء‏.‏

ونحو قول أبي نواس، قول العباس بن الأحنف‏:‏

فإذا الذي كتب الكتاب يسبني *** قصداً فبالغ في الكتاب وأعجما

فإذا أردت هديت من إعجامه *** إني أراك حسبت أن لا أفهما

وتقول‏:‏ شكلت الكتاب أشكله شكلاً‏.‏ وشكلت الطائر شكولاً وشكلت الدابة شكالاً‏.‏ وشكلت المرأة شكلاً‏.‏ وأشكل الأمر إشكالاً التبس‏.‏ والقوم أشكال أي أشباه‏.‏

الحروف التي شبهت الشعراء بها

أنشدنا القاسم بن إسماعيل، قال‏:‏ أنشدنا محمد بن إسماعيل لأبي النجم العجلي الراجز، وكان له صديق، يقال له زياد يسقيه الشراب، فينصرف أبو النجم من عنده ثملاً‏:‏

أقبلت من عند زياد كالخرف *** تخط رجلاي بخط مختلف

كأنما قد كتبنا لام ألف

وقد عيب أبو النجم بهذا، فقيل‏:‏ لولا أنه يكتب ما عرف صورة لام ألف كما عيب ذو الرمة في وصف ناقته‏:‏

كأنما عينها فيها وقد ضمرت *** وضمها السير في بعض الأضاميم

يريد كأن عينها دارة ميم لتدويرها، والأضاة الغدير، يقال أضاة وأضا مثل قطاة وقطا وأضأة وآضاء مثل أكمة وآكام‏.‏ فقيل‏:‏ لولا أنه يكتب ما عرف الميم‏.‏

وحدثنا الغلابي قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن الضحاك، عن الهيثم بن عدي، قال‏:‏ قرأ حماد الراوية على ذي الرمة شعره قال‏:‏ نراه قد ترك في الخط لاماً، فقال له ذو الرمة‏:‏ اكتب لاماً فقال له حماد‏:‏ وإنك لتكتب‏!‏ قال‏:‏ اكتم علي فإنه كان يأتي باديتنا خطاط، فعلمنا الحروف تخطيطاً في الرمال، في الليالي المقمرة، فاستحسنتها، فثبتت في قلبي، ولم تخطها يدي‏.‏ ومن مليح ما قيل في التشبيه بلام ألف قول بكر بن النطاح‏:‏

يا من إذا درس الإنجيل ظل له *** قلب التقي عن القرآن منصرفا

إني رأيتك في نومي تعانقني *** كما يعانق لام الكاتب الألفا

فقيل‏:‏ قلب لحال القافية، لأن المعنى كما تعانق ألف الكاتب اللام لأن الألف تعطف على اللام‏.‏ والذي عندي أنه صواب لأن كل شيء عانق شيئاً، فإن ذلك الشيء أيضاً قد عانقه‏.‏ وقال آخر في التشبيه بالهاء‏:‏

تنزو إذا مسها قرع المزاج كما *** تنزو الجنادب أوقات الظهيرات

وتكتسي لؤلؤات في تقلبها *** من الحباب شبيهات بهاءات

وفي مثله يقول أبو نواس‏:‏

ثم شجت، فأدارت *** فوقها طوقاً فدارا

كاقتران الدر بالد *** ر صغاراً وكبارا

خلته في جنبات ال *** كاس واوات صغارا

وقال عبد السلام بن رغبان الحمصي‏:‏

فاصرف بصرفك وجه الماء يومك ذا *** حتى ترى نائماً منهم ومنصرفا

فقام مختلفاً كالبدر مطلعاً *** والظبي ملتفتاً والغصن منعطفا

كأن قافاً أديرت فوق وجنته *** واختط كاتبها من فوقها ألفا

وقال عبد الله بن المعتز‏:‏

وكأن السقاة بين الندامى *** ألفات بين السطور قيام

وقال أبو مقاتل الديلمي واسمه صالح‏:‏

شهدت لها لام الطراز بأنها *** كتبت وكانت قبل عند مهندس

فإذا أدارت قاف صدغ خلتها *** أخذت قوام الشكل من إقليدس

وقال أحمد بن إسماعيل‏:‏

وسال عذاره من تحت صدغ *** فصارت لام ذاك الصدغ عينا

وقال بعض الأعراب يصف طوق القمرية‏:‏

كأن بنحرها والجيد منها *** إذا راقت عيون الناظرينا

مداداً لاقه قلم لطيف *** فصاغ به لطوق النحر نونا

وقال أبو نواس يصف ريش الصقر‏:‏

واجتاب من طرازه تفويفاً *** وشياً ترى بسيطه مكفوفا

مثل استراق الكاتب الحروفا

وقال أيضاً يصف منسراً‏:‏

في هامة علياء تهدي منسرا *** كعطفة الجيم بكف أعسرا

يقول من فيها بعقل فكرا *** لو زادها عيناً إلى فاء ورا

فاتصلت بالجيم فصارت جعفراً

وقال غيره‏:‏

له من عيون الوحش عين مريضة *** ومن خضرة الريحان خضرة شارب

كأن غلاماً ماهراً خط خطه *** فجاء كنصف الصاد من خط كاتب

وقال غيره‏:‏

صدغ على خدك أبكاني *** ورد لي همي وأحزاني

كأنما قومه صائغ *** وخطه كاتب ديوان

وقال آخر‏:‏

وقد بدا صدغه من فوق وجنته *** كمشقة عطفت من نقطة الراء

وقال محمد بن عبد الملك الزيات‏:‏ ماذا تواري ثيابي من أخي دنف كأنما الجسم منه بقة الألف

وقال الثرواني الكوفي‏:‏

أما ومطال ذي خلف *** به أمسيت ذا شغف

وحرمة من خضعت له *** بلا ميل ولا لطف

خضوع فتى لمالكه *** بذل الرق معترف

لقد أصبحت ذا كلف *** بخال غير ذي كلف

كأن معاقد الزنا *** ر قد عقدت على ألف

ولي من آخر قصيدة إلى بعض الرؤساء أساله حاجة‏:‏

سبقتما في حلاب المجد بينكما *** فرط التجارب ميمون لميمون

فأتبع النون عيناً في المقال ولا *** تؤخر الميم عن عين وعن نون

وقال عبد الصمد بن المعذل لعلي بن عيسى بن جعفر وقد شرب دواء‏:‏

وقد أهديت ريحاناً ظريفاً *** به حاجيت مستمعي مقالي

وريحان النبات يعيش يوماً *** وليس يموت ريحان المقال

ولم تك مؤثراً ريحان شم *** على ريحان أسماع الرجال

وقال هشام بن عبد الملك لأعرابي‏:‏ أنظر كم على هذا الميل من عدد الأميال‏؟‏ وكان الأعرابي لا يحسن أن يقرأ، فمضى ونظر ثم عاد فقال‏:‏ رأيت كرأس المحجن، متصلاً بحلقة صغيرة، تتبعه ثلاثة كأطباء الكلبة، تفضي إلى هنة كأنها رأس قطاة بلا منقار‏.‏ ففهم بصفته أنها خمسة‏.‏

وقال أبو نواس يشبه نحوله بقلة حروف لا‏:‏

يا عاقد القلب مني *** هلاً تذكرت حلا

تركت جسمي عليلاً *** من العليل أقلا

يكاد لا يتجزا *** أقل في اللفظ من لا

وقال الصولي وأنشدني ابن الخراساني‏:‏

مستهتر بالصدود موصوف *** مؤلف للحاظ مألوف

كأنه في اعتداله ألف *** ليس لها في الكتاب تحريف

وقال أبو الهندي، وهو أشعث اليربوعي، يخاطب خمارة كانت تبيعه الخمر، فإذا أعطته كوزاً خطت عليه خطاً، فرآها تزيد عليه فقال‏:‏

إذا ما بعتني كوزاً بخط *** فخطي ما بدا لك أن تخطي

وزيدي ثم زيدي ثم زيدي *** على وغلظي بالله شرطي

وصبي في أبيريق صغير *** كأن الأذن منه رجع خطي

وقال يهجو ابن حجام‏:‏

يا ابن من يكتب في الأ *** رقاب من غير دواة

لم يكن يكتب فيها *** غير خط الألفات